الهجمات التي تعرضت لها شبكة القطارات في فرنسا قبل ساعات من افتتاح أولمبياد باريس، يؤكد ان قضية الإرهاب ستظل الهاجس الأخطر الذى يهدد اى دولة على مستوى العالم بلا استثناء. فرنسا كانت قد استعدت جيدا لاستقبال هذا الحدث الرياضى الأبرز ، وكان هناك تعاون بين أجهزة الاستخبارات الفرنسية واكثر من 170 جهاز استخباراتي رفيع المستوى من بينها بطبيعة الحال والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ، ومع ذلك نجح الإرهاب في تعكير صفو هذا الحدث المبهج، وحتى الآن لم تصل التحقيقات الى نتائج واضحة ، وقائمة الاتهام شملت جميع التيارات السياسية والدينية من تنظيم القاعدة الى التنظيمات اليسارية المتطرفة التي فازت قبل أسابيع في الانتخابات التشريعية الفرنسية.
للأسف قضية "الإرهاب" ليست مرتبطة بوقت او مكان معين، كما أنها ليست حكرا علي عقيدة أو فصيل أو عرق بشري بعينه.. مفهوم وفعل الارهاب عابر للأزمة وللجغرافيا والتاريخ، لا يستطيع فرد أو دولة مهما عظم قدرة أو تنوعت استراتيجيه أن يآمن شره أو أن يتنبئ بوقوعه بنسبة تحقق له الأمن المطلق، واخطر ما يميز الإرهاب هو قدرته علي التلون والتنوع وإيجاد المبررات والصيغ الدينية والعقائدية التي تمنح مركتبه الغطاء الأخلاقي وربما الشرعي لجرائم تبدأ بالسرقة وتنتهي بالقتل والحرق وربما التمثيل بجثث الضحايا.
ويشمل تعريف الإرهاب بأنه تخويف السكان أو الحكومات أو إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف. وقد يؤدي إلى الوفاة أو الإصابة الخطيرة أو أخذ الرهائن. يجب منع هذه الأعمال، ووقف تمويل الشبكات الإرهابية والتصدّي لحركتها ونشاطها، من أجل منع انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل. كما يجب أن يحصل ضحايا الإرهاب على سبل انتصاف وتعويضات فعالة.
وأظهرت إحصائيات نشرها مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية - مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية - سقوط قرابة 4 آلاف شخص في أفريقيا خلال 2023 بسبب الهجمات الإرهابية؛ بزيادة بلغت نحو 19 في المئة مقارنة بالعام 2022؛ حيث ارتفع العدد الكلي من 19 ألف إلى 23 ألف شخص. وبحسب المركز فقد ارتفعت الوفيات الناجمة عن العنف المتشدد في أفريقيا خلال العام الماضي بشكل كبير لتصل إلى "مستوى قياسي من العنف المميت."
على سبيل المثال فمنطقة الساحل في غرب أفريقيا وعدد من البلدان الواقعة شرق القارة تشهد تزايدا مخيفا في أنشطة الجماعات الإرهابية التي نمت وتطورت وانقسمت وأعادت تشكيل نفسها. وأدت الهجمات المتواصلة التي تشنها تلك الجماعات إلى زعزعة الاستقرار في الصومال وبوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا. تأتي هذه النتائج المفزعة على الرغم من الجهود التي تبذلها دول غربية وعدد من بلدان العالم الأخرى لتطويق الظاهرة. وتشكل الهجمات الإرهابية عبئا أمنيا وماليا كبيرا على البلدان الأفريقية الغارقة أصلا في عدد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الكبيرة؛ الناجمة عن التغير المناخي والتدهور الاقتصادي المربع؛ إضافة إلى معاناة أكثر من 30 في المئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي الذي تفاقم بفعل الحرب في أوكرانيا.
الإرهاب الذى انتشر في السنوات الخمسين الماضية طغي عليه بشكل كبير جماعات الإسلام السياسي، التي تتخذ من ادبيات بعض المذاهب المتشددة دستورا لها في محاكمة الاخر ، اى كان هذا الاخر مسلم او مسيحي، وهذا النموذج لم يفرق بين الطوائف الدينية او حتى العرقيات ، فالجميع اكتوى بناره العشوائية المدمرة ، واللافت ان تصاعد ظاهرة التيار الدينى هو في حقيقة الأمر عبارة عن بوتقة لشراذم من وطنيات شاردة، وقوميات سابقة تعرضت للهزيمة، وآمال اجتماعية عجزت عن تحقيق نجاحات . عند هذا الحد وجدنا أصناف مختلفة وغريبة من الإسلام او هكذا وصفوا انفسهم بين الإسلام الغاضب والإسلام المجاهد ، وكلاهما لا يدركا في الواقع ممن هما غاضبون او من هو عدوهم المستهدف من حربهم على اعتقاد منهم انهم يتكلمون وحدهم بالإسلام الصحيح وانهما نتاج حضارة إسلامية خالصة، وهنا مكمن الخطورة.
بالفعل لا يوجد تعريف موحّد للإرهاب على الرغم من أن الإعلانات والقرارات والمعاهدات العالمية قد أوضحت بعض شروطه المميّزة وعناصره الأساسية. نعم، هناك تعريف عام للإرهاب تتفق عليه البعض من الدول في العالم. وواحدة من أهم المحاولات لتعريف الإرهاب عالميًا كانت تلك التي قدمتها الأمم المتحدة في القرار رقم 49/60 للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1994، حيث يتم تعريف الإرهاب على انه "أعمال إجرامية تستخدم العنف أو التهديد بالعنف، وتستهدف الحياة البشرية، أو تستهدف الأفراد المدنيين الآخرين بغرض إرباك الأنظمة السياسية أو ترويع الجمهور، أو للمطالبة بتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو دينية."هذا التعريف يعكس الاعتراف العالمي بأن الإرهاب هو أعمال عنف غير قانونية وغير أخلاقية تستهدف المدنيين أو الحياة البشرية بشكل عام، وتهدف إلى إثارة الرعب والذعر في المجتمعات وتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو دينية.
وفي الواقع، لا تزال التعاريف الوطنية للإرهاب متروكة إلى حد كبير لتقدير الدول، ما يولّد تفسيرات متباينة في التشريعات المحلية الخاصة بمكافحة الإرهاب. وقد أدت التعريفات المبهمة للإرهاب في بعض الدول إلى سياسات وممارسات تتعارض مع المبادئ الدولية للشرعية واليقين القانوني. واقتبس هنا جزء من تعريف الإرهاب في موقع الأمم المتحدة الذى يقول "لا يزال التطرف العنيف موضوعًا معقدًا ومتنوعًا تصعب الإحاطة به من جميع نواحيه. وهو ظاهرة واسعة النطاق تتخطّى الإرهاب بحدّ ذاته، ولا تقتصر على منطقة أو جنسية أو أيديولوجية معيّنة أو أي نظام عقائدي آخر. وما من تعريف واضح ومتفق عليه عالميًا للتطرف العنيف. لكن، كما قلنا لا أساس لتعريف موحد لمصطلح ’التطرف او الارهاب‘ في المعايير القانونية الدولية الملزمة. بل قد يختلف التعريف المحدد للإرهاب من بلد إلى آخر بناءً على قوانينهم الوطنية والتحديات الأمنية التي يواجهونها. فكثير من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوربية تحارب ما تراه هي إرهابا ، اى ما يمس مصالحها الاقتصادية او السياسية او الأمنية، بل انها يمكن ان تقدم دعما ماليا وعسكريا ولوجستيا الى بعض الجمعات المناهضة داخل العديد من الدول فقط لان تلك الأنظمة لم تنضوي تحت المظلة الامريكية او الأوروبية، وهذا المشهد تكرر ويتكرر في العديد من الدول سواء في افريقيا او جنوب شرق اسيا او حتى في أمريكا الوسطي.
غياب المفهوم الواحد للارهاب او التطرف نتج عنه تعريفات فضفاضه وتفسيرات مختلفة، فالبعض يعتبره مقاومة والأخر يعتبره تطرف وهمجية ، واخرون يرون انه إرهاب له مبررات، وهكذا حتى اصبح كل عمل عنيف له مؤيدين ومعارضين وكلا منهما يمتلك حججه ودوافعه الخاصة التي تبرر مواقفه. لذلك وربما الى فترة قد تمتد لعشرات السنين، لن يكون هناك رؤية محددة او تعريف مشترك عن "ما هو الإرهاب" ولا عزاء لضحايا هذا السرطان المخيف.